فصل: 1- كمال اليقين على الله، وحسن التوكل عليه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موسوعة الفقه الإسلامي



.فضل الدعاء للغير:

قال الله تعالى: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا [28]} [نوح:28].
وَعَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: «دَعْوَةُ المَرْءِ المُسْلِمِ لأَخِيهِ بِظَهْرِ الغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، كُلَّمَا دَعَا لأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ المَلَكُ المُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ». أخرجه مسلم.

.حكم التوسل:

التوسل الذي جاءت به الشريعة أنواع:
أحدها: التوسل إلى الله بالإيمان به وطاعته، كما قال سبحانه: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ [193]} [آل عمران:193].
الثاني: التوسل إلى الله بأسمائه وصفاته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللَّهمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنَّا». أخرجه الترمذي وابن ماجه.
الثالث: التوسل إلى الله بذكر حال الداعي المبينة لاضطراره، كما قال أيوب عليه السلام: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [83] فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ [84]} [الأنبياء:83- 84].
الرابع: التوسل إلى الله تعالى بدعاء من ترجى إجابته من الأحياء الصالحين.
كمَا قالَ الأعرَابِي يَا رَسُولَ الله، هَلَكَتِ المَوَاشِي، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ يُغِيثُنَا. قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ يَدَيْهِ فَقَالَ: «اللَّهمَّ اسْقِنَا، اللَّهمَّ اسْقِنَا، اللَّهمَّ اسْقِنَا». متفق عليه.
الخامس: التوسل إلى الله تعالى بالعمل الصالح، كما في قصة أصحاب الغار الثلاثة. متفق عليه.
فهذا كله من التوسل المشروع.
أما التوسل إلى الله سبحانه بذوات الصالحين وجاههم أحياءً أو أمواتاً، فهذا كله بدعة ووسيلة من وسائل الشرك الأكبر؛ بل هذا من الغلط والجهل الذي تتابع عليه الجهال.
فما أجهل من يذهب إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، أو قبور الأنبياء الصالحين، ثم يشكو لهم الحال، ويسألهم قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، وشفاء الأسقام.
والله يقول: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ [13] إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [14]} [فاطر:13- 14].
ويقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [188]} [الأعراف:188].

.مفاسد سؤال الخلق:

في سؤال الخلق ثلاث مفاسد:
الأولى: مفسدة الافتقار إلى غير الله، وهذا نوع من الشرك.
الثانية: مفسدة إيذاء المخلوق، وهذا نوع من الظلم.
الثالثة: مفسدة ذل العبد لغير خالقه، وهذا ظلم للنفس.

.من يسأل العبدُ حاجته؟:

ما يحتاجه العباد قسمان:
أحدهما: ما لا يقدر عليه إلا الله، فهذا لا يطلب إلا من الله وحده سبحانه، فهو القادر عليه وحده دون سواه مثل:
هداية القلوب.. غفران الذنوب.. شفاء المرضى.. إنزال المطر.. إنبات النبات.. كشف الكربات.. ونحو ذلك من جلب المنافع ودفع المضار.
الثاني: ما يقدر عليه الناس، فيستعان بالمخلوق فيما يقدر عليه من النصر، والعون، والعطاء ونحو ذلك مما أقدره الله عليه.
فالأول لا يطلب إلا من الله وحده، ومن طلبه من غيره فقد أشرك.
والثاني يطلب من الله دائماً، ويطلب من غيره ممن يقدر عليه عند الضرورة.

.كيفية الحصول على المحبوب:

الناس في تحصيل مرادهم بالأسباب والدعاء أربعة أقسام:
منهم من فعل الأسباب المأمور بها، وسأل ربه سؤال من لم يُدْلِ بسبب أصلاً، بل سؤال يائس ليس له حيلة ولا وسيلة، فهذا أعلم الخلق، وأحزمهم، وأفضلهم.
منهم من لم يفعل الأسباب، ولم يسأل ربه، فهذا أجهل الخلق وأمهنهم، وأعجزهم.
منهم من فعل الأسباب، ولم يسأل ربه، فهذا وإن كان له حظ مما رتبه الله على الأسباب، لكنه منقوص لا يحصل له ما يريد إلا بجهد، فإذا حصل له فهو قليل البركة، سريع الزوال.
منهم من نبذ الأسباب وراء ظهره، وأقبل على الطلب والدعاء، فهذا يُحمد إن كانت الأسباب محرمة، ويُذم إذا كانت الأسباب مأموراً بها كمن يطلب الولد من غير نكاح، فيترك النكاح، ويسأل ربه أن يرزقه الولد.

.أحوال الدعاء مع البلاء:

الدعاء من أنفع الأدوية الشافية بإذن الله، وهو عدو البلاء، يمنع نزوله، ويرفعه إذا نزل أو يُخففه.
وللدعاء مع البلاء ثلاث حالات:
الأولى: أن يكون الدعاء أقوى من البلاء فيدفعه.
الثانية: أن يكون الدعاء أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء.
الثالثة: أن يتقاوم الدعاء والبلاء، ويمنع كل واحد منهما صاحبه.

.موانع إجابة الدعاء:

الدعاء من أقوى الأسباب في حصول المطلوب، ودفع المكروه.
وقد يتخلف عن الدعاء أثره لما يلي:
إما لضعف القلب وعدم إقباله على الله تعالى وقت الدعاء.
وإما لضعفه في نفسه، بأن يكون دعاء لا يحبه الله لما فيه من العدوان.
وإما لوجود المانع من الإجابة من أكل الحرام، والملبس الحرام، وضعف اليقين، واستيلاء الغفلة، والظلم والعدوان، وتراكم الذنوب على القلب.
وإما استعجال الإجابة، وترك الدعاء.
وربما منعه الله في الدنيا ليعطيه في الآخرة أعظم منه.
وربما منعه وصرف عنه من الشر مثله.
وربما كان في حصول المطلوب زيادة إثم، فكان المنع أولى.
وربما منعه لئلا ينشغل به عن ربه فلا يسأله ولا يقف ببابه.

.فقه إجابة الدعاء:

كل من دعا الله أجابه، وليس كل من أجاب الله دعاءه يكون راضياً عنه، أو محباً له، أو راضياً بفعله، فالله سبحانه مالك كل شيء، وعنده خزائن كل شيء، يسأله من في السماوات ومن في الأرض، يسأله المؤمن والكافر.. والبَرّ والفاجر.. والمطيع والعاصي.
وكثير من الناس يدعو دعاءً يعتدي فيه، فيحصل له ذلك أو بعضه، فيظن أن عمله صالح مرضي لله، ويرى أن الله لرضاه عنه يسارع له في الخيرات، فهذا من المغرورين الذين قال الله عنهم: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ [55] نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ [56]} [المؤمنون:55- 56].
بل هو استدراج كما قال سبحانه: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ [44]} [الأنعام:44].
فالدعاء له حالتان:
إما أن يكون عبادة يثاب عليها الداعي كسؤال الله الإعانة والمغفرة ونحوهما.
أو يكون مسألة تقضى به حاجته، ويكون مضرة عليه، تنقص به درجته، ويقضي الله حاجته، ويعاقبه على ما أضاع من حقوقه، وتجاوز حدوده.

.شروط الدعاء:

الدعاء بمنزلة السلاح، والسلاح بضاربه لا بحده فقط.
فمتى كان السلاح تاماً لا آفة به.. والساعد ساعداً قوياً.. والمانع مفقوداً، حصلت به النكاية في العدو.
ومتى تخلفت الثلاثة أو واحد منها تخلف الأثر.
والدعاء سلاح المؤمن، ينفع مما نزل ومما لم ينزل.
وبقدر قوة اليقين على الله، والاستقامة على أوامره، وبذل الجهد لإعلاء كلمة الله، تكون إجابة الدعاء بما هو أصلح للعبد.
وإذا حصل الدعاء بشروطه:
فالله إما أن يعطي السائل حالاً.. أو يؤخره ليُكثر السائل من البكاء والتضرع.. أو يعطيه الله شيئاً آخر أنفع له من سؤاله.. أو يرفع به عنه بلاءً.. أو يؤخره إلى يوم القيامة.
فالله أعلم بما يصلح لعباده فلا نستعجل {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا [3]} [الطلاق:3].
قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [186]} [البقرة:186].

.أوقات الدعاء:

الدعاء له ثلاث حالات:
تارة يكون قبل العمل طلباً للعون عليه، كما قال سبحانه في غزوة بدر: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ [9]} [الأنفال:9].
وتارة يكون أثناء العمل طلباً للثبات عليه، والاستمرار فيه، والعون عليه، وإخلاصه وقبوله كما قال سبحانه: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [127] رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [128]} [البقرة:127- 128].
وتارة يكون بعد العمل، ثناءً على الله، واستغفاراً لما حصل من تقصير كما قال سبحانه: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [1] وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا [2] فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [3]} [النصر:1- 3].

.قيمة المؤمن عند ربه:

المؤمن كريم على ربه، الله يحبه، ويحب عمله، ويضاعف أجره، ويتحبب إليه بالنعم، ويتودد إليه بالعفو، ويغفر ذنوبه وزلاته، ويقبل أعماله حياً وميتاً.
المؤمن نائم على فراشه، والملائكة يستغفرون له، والأنبياء يدعون له، والمؤمنون إلى يوم القيامة يستغفرون له.
فالملائكة يستغفرون له، ويدعون له كما قال سبحانه: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ [7]} [غافر:7].
والأنبياء والرسل يستغفرون له، ويدعون له.
فقال نوح عليه السلام: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا [28]} [نوح:28].
وقال إبراهيم عليه السلام: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ [41]} [إبراهيم:41].
وقال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ [19]} [محمد:19].
والمؤمنون يستغفرون له، ويدعون له كما قال سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [10]} [الحشر:10].

.2- فضائل الدعاء:

قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [186]} [البقرة:186].
وقال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [60]} [غافر:60].
وقال الله تعالى: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [147] فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [148]} [آل عمران:147- 148].
وقال الله تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [56]} [الأعراف:56].
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ: «إِنَّ اللهَ يَقُولُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي». متفق عليه.
وَعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ»، ثمَّ قَرَأَ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [60]} [غافر:60]. أخرجه أبو داود والترمذي.

.3- آداب الدعاء:

.هيئة القلب عند الدعاء:

يتوجه المسلم إلى ربه بالدعاء كأنه يراه، بإظهار الافتقار إلى ربه.. والتذلل والانكسار بين يدي مولاه.. والتبرؤ من الحول والقوة.. واستشعار الخوف والوجل من الله.. والثناء على الله عز وجل بكل المحامد.. واستحضار عظمة الله وجلاله.. ورؤية إنعامه وإحسانه.. ويتوجه إليه وحده.. ولا يلتفت إلى ما سواه.. ويجزم أن الله يراه.. ويسمع كلامه.. ويتيقن أن الله سيجيب دعاءه بما هو أصلح له.
عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قالَ رَسُولُ: «إِذَا دَعَا أحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمِ المَسْألَةَ، وَلا يَقُولَنَّ: اللَّهمَّ إِنْ شِئْتَ فَأعْطِنِي، فَإِنَّهُ لا مُسْتَكْرِهَ لَهُ». متفق عليه.

.أسباب إجابة الدعاء:

يجيب الله دعاء العبد إذا تحققت الشروط، وانتفت الموانع.
ومن أهم أسباب إجابة الدعاء ما يلي:
الإخلاص لله عز وجل.. وحضور القلب أثناء الدعاء.. وخفض الصوت بالدعاء.. والاعتراف بالذنب.. والاستغفار منه.. والاعتراف بالنعم.. وشكر الله عليها.
وتكرار الدعاء ثلاثاً.. والإلحاح في الدعاء.. وعدم استبطاء الإجابة..
والجزم في الدعاء مع اليقين بالإجابة.
وأن يبدأ بحمد الله تعالى.. والثناء عليه.. ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في أول الدعاء وآخره.
واستقبال القبلة أثناء الدعاء.. ورفع اليدين إلى المنكبين ضاماً لهما وبطونهما نحو السماء، وإن شاء قنَّع بهما وجهه وظهورهما نحو القبلة.
التضرع والخشوع.. والطهارة من الحدث والخبث.
وأن لا يدعو بإثم أو قطيعة رحم.. وأن لا يعتدي في الدعاء.. ولا يدعو على نفسه وأهله وماله وولده.
وأن يكون مطعمه ومشربه وملبسه من حلال.. ويرد المظالم إن كانت.. ويكثر من الاستغفار.
وأن يكثر من نوافل العبادات.. ويحسن بر والديه.. ويتوسل إلى ربه بأسمائه وصفاته وأعماله الصالحة.
وأن يدعو بجوامع الكلم مما ورد في القرآن والسنة.. ويدعو في الرخاء والشدة بالأدعية التي هي مظنة الإجابة مما ورد في القرآن، وثبت في السنة كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

.صفة رفع اليدين عند الدعاء:

رفع اليدين عند الدعاء له ثلاث حالات:
الأولى: عند الدعاء العام، ويسمى المسألة.
وصفته: أن يرفع يديه حذو منكبيه أو نحوهما، ضاماً لهما وبطونهما نحو السماء، وإن شاء قنَّع بهما وجهه وظهورهما نحو القبلة.
الثانية: عند الابتهال، وهو المبالغة في المسألة، كحال الجدب، وعند النازلة، ونحو ذلك من أحوال الشدة.
وصفته: أن يرفع يديه ماداً لهما كأن ظهورهما إلى السماء، حتى يرى بياض إبطيه.
الثالثة: رفع سبابة اليد اليمنى حال التشهد في الصلاة، وعند الذكر والدعاء حال الخطبة على المنبر.
فهذه حالات رفع اليدين عند الدعاء، ولكل حالة رفعٌ يخصها.

.4- أفضل المواطن التي يستجاب فيها الدعاء:

.1- أفضل أوقات الدعاء:

جوف الليل الآخر.. ليلة القدر.. دبر الصلوات المكتوبات.. بين الأذان والإقامة.. ساعة من كل ليلة.. ساعة من يوم الجمعة وأرجاها آخر ساعة بعد العصر، وعند دخول الإمام للخطبة إلى أن تقضى الصلاة.. وعند النداء للصلوات المكتوبة.. وإذا نام على طهارة ثم استيقظ من الليل ودعا.. الدعاء في شهر رمضان ونحو ذلك.

.2- أفضل أماكن الدعاء:

دعاء يوم عرفة في عرفة.. والدعاء على الصفا.. والدعاء على المروة.. والدعاء عند المشعر الحرام.. والدعاء بعد رمي الجمرة الصغرى والوسطى في النسك.

.3- أفضل الأحوال التي يستجاب فيها الدعاء:

الدعاء حال إقبال القلب على الله تعالى.. والدعاء حال السجود.. والدعاء بعد الوضوء.. والدعاء عند شرب ماء زمزم.. ودعاء المسافر.. ودعاء المريض.. ودعاء المظلوم.. ودعاء المضطر.. ودعاء الوالد لولده.. والدعاء عند صياح الديكة.. وعند الدعاء بـ لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ونحو ذلك.

.أهم أسباب إجابة الدعاء:

.1- كمال اليقين على الله، وحسن التوكل عليه:

قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [2] وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا [3]} [الطلاق:2- 3].
وقال الله تعالى عن هود عليه السلام: {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [56]} [هود:56].